إديولوجية التكفير تقتات من البؤس والجهل
يوسف بوستة

(إسلامي/ يساري/علماني) هذا توصيف وتحديد مغلوط أنتجته الألة الإعلامية للرجعية العربية والقوى اليمينية الغربية على حد سواء، لخلط الأوراق والتضليل الممنهج، من أجل خلق اصطفافات غير موضوعية يسهل الالتفاف حولها والعصف بها حال ما تستنفذ المهمة المحددة لها.
فالإسلام كعقيدة وكفكر، يخترق الثقافة العربية بمختلف مشاربها الفكرية والسياسية، وإلى جانب الحركات الإسلاموية بمختلف توجهاتها التي تعتبر نفسها وصية على الدين، نجد العديد من الحركات والقوى الوطنية في العالم العربي تنهل في تصوراتها السياسية والنظرية من الفكر الديني، وهي سابقة في الوجود على حرمات الاسلام السياسي، وهناك جماهير مسلمة تشكل الأغلبية الساحقة في أغلب بلدان الوطن العربي وتعتمد الإسلام كعقيدة.
هذا المعطى الواقعي لا يطرح أية إشكالية على الإطلاق، والتاريخ العربي الإسلامي شهد عدة صراعات واختلافات حول الحكم والسلطة حتى في عهد الصحابة، وهي صراعات فكرية وسياسية بأبعاد اقتصادية واجتماعية ولم تكن حروبا او صراعات دينية حتى وإن أخدت طابعا مذهبيا أو قبليا.
إن ما نعيشه اليوم من صراع بين حركات إسلاموية تعتقد أنها تمثل الدين الصحيح ضد ما تسميه بالقوى “الملحدة”، وهو الوصف الذي تطلقه على القوى اليسارية وعموم الديمقراطيين، باعتبارهم “كفارا وأعداء للدين”، والذي تعود بوادره لما يزيد عن نصف قرن ليصل ذروته في العقد الحالي من خلال السعي نحو أسلمة الدولة والمجتمع الدولة، وهي أهداف تلتقي حولها جل الحركات الإسلاموية بكل أطيافها مهما اختلفت وسائلها، وهو وضع لم يسبق وجوده عبر التاريخ المراد إعادة أمجاده، لذلك فهو توجه لا تاريخي لم ولن ينتج سوى الخراب والدمار والمزيد من الفتن والحروب.
لقد دأبت هذه الحركات على تقمص دور المظلومية في محاولة للتغطية عن عمق الإديولوجية الإقصائية التي تعتمدها في منهج التأطير والتعبئة وسط أنصارها من خلال توصيف الغير “بالملحد”، ما يجعل أي دعاوي للحوار مجرد أضاليل، خاصة وأنهم يدركون جيدا بأن الإلحاد هو محاربة الأديان، وهي حركة فكرية ظهرت في أوربا، ولم تكن لصيقة بالأنظمة الاشتراكية والشيوعية كما يتم الترويج له، فماركس المفكر العظيم الذي يصنفه تجار الدين “ملحدا وكافرا” كان يعتبر الدين (أي دين) رافدا من روافد الوعي الاجتماعي، أما مقولة “الدين أفيون الشعوب” والتي كان يقصد بها الكنيسة في عهد محاكم التفتيش، وهي تنطبق اليوم وبشكل واضح على تجار الدين من الحركات الإسلاموية، أما مقولته كذلك بأن” الدين زفرة المضطهدين” وهي المقولة التي يتم إنكارها عليه، تنطبق على العديد من الحركات الثورية التي عرفها التاريخ الإسلامي ومنها ثورة القرامطة والزنوج وغيرها، ونتمنى صادقين أن تتولد لدينا حركات مماثلة، أما مسألة القبول بالآخر وبحقه في الوجود عند هذه الجماعات فهي مجرد نوايا لم تنبثق عن قناعات ومبادئ، وإنما من باب التقية ومن قوة وحضور الآخر أي القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية، واستمراره في الدفاع عن قيم الحرية والعقلانية بالرغم من التضليل والقمع، وفي أحيان أخرى التصفية والقتل، وسقط في صفوفه العديد من القادة السياسيين والمفكرين والمثقفين غدرا، والبقية ستأتي ما دامت إديولوجية التكفير تقتاق من البؤس والجهل، وهي في الأخير معركة بين التحرر والتقدم من جهة وبين الرجعية والظلامية من جهة أخرى، وليست معركة دينية في جميع الأحوال، والصراع في هذا المستوى وبهذا الحجم لا يحل بالتعاقد سواء مع الطبقة الحاكمة المستبدة أو غيرها من الحركات الإسلاموية، بل بموازين القوى والنضال الديمقراطي التقدمي واعتماد آليات التثقيف والوعي الشعبي الجماهيري.