ads980-90 after header


الإشهار 1


دولة الحق والقانون في زمن كورونا

الإشهار 2

www.alhadattv.ma

*سعيد بعزيز/نائب برلماني

لم تنظم بلادنا حالة الطوارئ في دستور 2011، بشكل مباشر، مثلما عملت بالنسبة لحالة الاستثناء في الفصل 59 من الدستور، حينما تكون حوزة التراب الوطني مهددة أو حين وقوع أحداث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية. لكن المغرب باعتباره، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، لذا تعهد في الدستور بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وأكد تشبته بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، كما أكد والتزم بجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها، تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، ومن هذا المنطق، ونظرا لكون العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، دخل حيز التنفيذ بتاريخ 23 مارس 1976، وقد وقع عليه المغرب بتاريخ 19 يناير 1977، وصادق عليه بموجب ظهير 1.78.4 بتاريخ 21 ماي 1979، ثم نشر بالجريدة الرسمية عدد 3525 بتاريخ 21 ماي 1980، فتبقى هذه الوثيقة الدولية هي المدخل الأساسي لإقرار حالة الطوارئ الصحية، خاصة الفقرة الأولى من المادة 4 منه، والتي تنص على أنه “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، …”.
وانطلاقا من إعلان منظمة الصحة العالمية يوم الخميس 30 يناير 2020، أن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد يشكل حالة طوارئ صحية عالمية، فقد أصبح من حق الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن تلجأ، وبشكل استثنائي إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية. وبلادنا بدورها سارعت، بعد ظهور الإصابات الأولى بهذا الوباء، عن حق، وانطلاقا من مسؤولية السلطات العمومية التي تضمن سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع، وفق ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 24 من الدستور، إلى وضع إطار قانوني لحالة الطوارئ الصحية، كان ومايزال محط إجماع وطني، ألا وهو مرسوم بقانون رقم 2.20.292 وتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. والهدف منه هو حماية حياة الأشخاص وسلامتهم التي توجد في وضعية تهديد من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، وتفادي تعرضها للأخطار الناجمة عنها، وهو إطار عام لا يتعلق باللحظة فقط، واستنادا عليه صدر المرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، نص في مادته الأولى عن إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 على الساعة السادسة مساء، وذلك من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، حيث عمل على تعليق مجموعة من الحقوق التي يكفلها الدستور، من بينها “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه “، و”حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي”، وكذا بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر إغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم، وجعل رفع هذه القيود رهين بانتهاء حالة الطوارئ الصحية، والمعلنة بشكل مسبق ومؤقت في يوم 20 أبريل 2020 على الساعة السادسة مساء.
وبذلك يكون الجميع، قد استجاب وانخرط في قبول التعليق المؤقت لمجموعة من الحقوق بهدف حماية أرواح جميع من يوجد فوق التراب الوطني، بغض النظر عن جنسيته أو أصله الاجتماعي أو دينه أو لونه أو عرقه أو لغته…، وهو ما يعني تبعا لذلك، أن هذا القرار لا يتنافى مع مفهوم دولة الحق والقانون.
وحالة الطوارئ، وفق ما تعنيه في سياقها العام، من تدابير وإجراءات تتخذها الدولة من أجل ضبط الأمن والاستقرار وضمان استمراريتهما، والحفاظ على النظام العام، فإنه بإضافة مصطلح “الصحية” تسقط عنها الشمولية، وتصبح حالة الطوارئ محدودة في الأمن الصحي فقط، إذ ترتبط بحماية حياة المواطنات والمواطنين، والأجانب الموجودين فوق التراب الوطني، وضمان سلامتهم من الأخطار التي تهددهم جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية.
وإعلان حالة الطوارئ الصحية توسع من اختصاصات وصلاحيات السلطات الإدارية، وتضمن استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين، كما تخول للسلطات الصحية حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية في حدود اختصاصاتها، ويستمر البرلمان والقضاء في أداء مهامهما.
وارتباطا بمفهوم توسيع صلاحيات السلطة الإدارية، وجعلها هي الكل في الكل، فالفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، تنص على أنه يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية.
وهذا يجعل حتى تدابير الشرطة الإدارية المخولة لرئيس الجماعة بموجب الفصل 100 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، يمكن لعامل الإقليم أن يتخذ بشأنها إي إقرار أو تدبير، وهو هو الملاحظ في العديد من العمالات والأقاليم، من قبيل القرارات الرامية إلى تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية والمساهمة في مراقبتها، ومراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة… واتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وفي هذا السياق يدخل منع الأسواق الأسبوعية التي يقوم بها الولاة والعمال وبدون صدور قرار المنع عن رئيس الجماعة.
لكن هذا التوسع في الاختصاصات، لا يخول لهم الخروج عن القانون، إذ يمنع منعا كليا أن يتم استغلال هذه الحالة من أجل قمع حقوق الإنسان، والفصل 22 من الدستور يؤكد على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. وممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. كما أن تصرفات الدول تخضع في هذا المجال لرقابة اللجنة الأممية لحقوق الإنسان، والتي تفرض عليها تضمين تقاريرها المقدمة للأمم المتحدة جميع المعلومات عن أنظمتها وقوانينها وممارساتها العملية للصلاحيات المخولة لها بصفة الاستثنائية خلال حالة الطوارئ.
واليوم، وفي ظل هذه الظروف الحرجة التي تمر منها بلادنا، لا يسعنا إلا أن نقول نعم لاتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها فترة حالة الطوارئ الصحية، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الأشخاص وضمان سلامتهم، لكن لا ثم لا للتراجع عن مواصلة مسيرة توطيد مؤسسات دولة حديثة والمضي قدما في مسار البناء الديمقراطي، وتكريس دولة الحق والقانون، والتلازم بين حقوق وواجبات الانتماء لهذا الوطن العزيز.
ولحد الآن، في اعتقادنا، أن الدولة لا توجد لديها رغبة في المساس بحقوق الإنسان، وأن ما يقع في بعض المناطق، تبقى حالات معزولة، والإجراءات التأديبية المتخذة بشأنها مرتكبيها دليل على عدم نيتها في ذلك، بل الأكثر منه أن هناك حالات استثنائية خرقت القانون، من قبيل مثلا ما سماه رواد الفضاء الأزرق بـ “التصرفيق”، وإهانة طفل أخر، وفي الاتجاه المعاكس حالات إنسانية متعددة من قبيل التزام رجل سلطة بأداء مستحقات الكراء عن أسرة معوزة، ومساهمة نساء ورجال الأمن الوطني في حملة التبرع بالدم في هذه اللحظة الصعبة، وما بينهما جيش من نساء ورجال السلطة المحلية والأمنية والعسكرية والصحية يؤدون مهامهم على قدم وساق، في احترام للقوانين والضوابط المعمول بها.
وفي المقابل، هناك غياب ملحوظ للتعاون وتسهيل مأمورية القائمين على اتخاذ التدابير والاجراءات المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، من أجل العبور بالجميع إلى بر الأمان، بل هناك خرق سافر للتدابير المتعلقة بمنع مغادرة الاشخاص لمحل سكناهم، ومنع التنقل، ومنع التجمع أو التجمهر أو الاجتماع، وإغلاق المحلات التجارية، وهذا يتنافى مع مبدأ دولة الحق والقانون، وهو ما ساهم في تعالي أصوات متعددة، تطالب بضرورة تطبيق القانون على مخالفي الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بشأن خرق هذه التدابير، وهي مطالب عادلة ومشروعة، وتجد سندها في القانون باعتباره أداة للضبط الاجتماعي، حيث أن المجتمع هو من يتابع المخالفين حول أفعالهم الجرمية، والذي تمثله أو تنوب عنه النيابة العامة في مباشرة الدعوى العمومية، وأنه لا حق لأحد من ضباط الشرطة القضائية أو كل من يمنحه القانون صلاحية البحث والتحري في المخالفات والجنح المرتكبة خلال حالة الطوارئ الصحية أن يتنازل عن تحرير محضر في حق المخالف.
فاحترام الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بمناسبة حالة الطوارئ الصحية لا تتنافى مع مفهوم دولة الحق والقانون.
وسلامة المتواجدين فوق التراب الوطني رهين بالتطبيق السليم للقانون.


ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5