بوجمعة العوفي: ربِّي “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ” مِنْ حكُومةِ أخنوش وَمَنْ مَعَه
www.alhadattv.ma
كان “أيُّوب” النبيُّ الذي يُضرَب به المَثَل في الصبر على البَلاء، حين جَأَرَبشكواه إلى ربه، في الآية الكريمة من سورة “الأنبياء”: “وَأَيُّوبَ إِذْ نادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”، قد تَعرَّض في حياته إلى الكثير المصائب وعوائِد الدَّهر، والكثيرِ من الاختبارات الإلهية التي كانت تمتحنُ صبرَه على الشدائد والمحن، مِنْ فَقْدِ المال والصحة والجاه ورُفقة الأهل والأصحاب، إلى ضَنَكِ العيش الذي دفع بزوجته إلى بيع ضفيرتيها الجميلتين كي تُطعمه. جارتِ الدنيا على “أيوب” بشكل لا يُطاق ولا يتحمله سوى الراسخين في الصبر من الأنبياء، وهذه مشيئة الخالق في عباده وهذِه حِكمتُه.
لكننا، كـمواطنين ضعفاء وفقراء إلى ربنا في كل شيء لسنا أنبياء، ولا نملك صبر “أيوب” وحِكمَته، وقد جار الزمان علينا بدوره حين وجدْنا أنفُسَنا، بعد “انتخابات” لم نفهم منطقها ولا مُجرياتها، تحت رحمة رئيس حكومة لَمْ تَترُكْ قرارا جائرا إلا وجَرّبتْه علينا وطَبّقَتْه، نحن المغلوبون على أمْرِنا، والذين سنَظَل نجني، نحنُ ومن سيأتي بَعْدَنا مِنَ الأجيال، ثمار سياسات وقرارات قاسية وجائرة: من إخفاقات بالجملة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وارتفاع نسبة المديونية، واستمرار انخفاض معدل النمو، وتفاقم العجز التجاري، وارتفاع نسبة البطالة، وتزايد عدد الفقراء، وارتفاع مُهول في أسعار “المازوط” وكل المواد الغذائية، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن المغربي، إلى التراجع الملحوظ في ممارسة الحقوق والحريات التي تَعرِف بدورها العديدَ من الانتهاكات، والكثير من القرارات اللا شعبية، منها على سبيل المثال لا الحصر سَحْبُ “مشروع القانون رقم 10.16″، والمتضمن لمادة حول تجريم الإثراء أو الكسْب غير المشروع (وبذلك يَفلِتُ الكثيرُ من المفسدين والمراكِمين لثرواتٍ غيرِ مشروعة من المساءلة والمحاسبة)، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل داخل المجتمع المغربي وداخل المؤسسة التشريعية على حد سواء. وذلك في زمن سياسي مأزوم، تَحكُمه العديد من مظاهر الحيْف والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وما شِئتَ من الأزمات!
كان السي عزيز (رئيس حكومتنا) الموقَّرة ومن معه من الطوائف والأحزاب، قد وعدوا المغاربة بالكثير من الإنجازات والإصلاحات، لكن تبريرات “الكورونا” ” و”اختلالات المناخ” و”الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا”، مثلما فعل زميله السابق سي عبد الإله بنكيران بنظرية “العفاريت” و”التماسيح” التي وجدها “الزعيم” في مستنقعات البلاد، وحالتْ، حَسَبَ رأيه، دون هذا الإصلاحات والإنجازات. وعِوَضَ التحلي بالحزم وبالجرأة السياسية المطلوبة في التصدي لهذه “التماسيح” و”العفاريت “، وموجة الغلاء الفاحشة، تراجَع حزب السي عزيز أخنوش كذلك عن وعوده، وعَجَزَ مثل “زعيمنا” السابق، صاحِبُ اللازمة الشهيرة: “فْهَمْتِيني ولاَّ لاَ”؟ عن ترويض عفاريت المغرب وتماسيحه وتحقيق ما كان ينتظره المغاربة. فقط أصْدَقَ أخنوش قولَه ووعْدَه، حين قال ذات خطاب انتخابي بأنه “سوف يُعيد تربية المغاربة”. وهذا شيء تحقق بالفعل ويُحسَب له.
هكذا ضاعت الأحلام والرهانات والوعود في عيون المغاربة، وتحجرتْ في مآقيهم دمعة الحزن المالحة التي أدْمَتْ عيونهم حَدَّ الوجع، وانتهى الحلم، و”انتهى الكلام” كذلك، بالقول الفَصْل والفصيح لـ “الزعيم” القديم – الجديد: رئيس حكومتنا السابق نفسه، ومَن معه كذلك، مِمَّن جاءوا على ظهر “ربيع عربي” لم نَرْكَبْ موجتَه ذاتَ زمنٍ “جَنَتْ فيه على نفسِها وعلى أهلِها بَراقِشُ”، حسب المثل العربي المأثور الذي بدأ استخدامه في العصر الجاهلي، وما زال العرب يضربونه كمثل لمن عمِل عملا ضَرَّ به نفسَه وأهْلَه.
بذلك، اتَّجَه المغاربة، مُجْبَرين مرة أخرى، لمواجه ضَنَكِ العيش وارتفاع تكلفة الحياة إلى السّلَف، ليس “السّلفُ الصّالح” كما قد يتبادر إلى الذهن، بل “السّلف” الذي لا يعني هنا سوى “الكْريدي” الذي عرَّى ظهورَ المغاربة، ووجدوا أنفسهم، وبجميع شرائحهم، من عون الخدمة البسيط، والموظف البسيط، إلى الأستاذ الجامعي أنفسهم تحت رحمة، بل مقصلة بنوك ومؤسسات قروض نَهشَتْ رواتِبَهم الهزيلة وأدخلَتْهم في دوامة اللُّهاث والسعي المُضني بين “دَارْ الضّو” و”دَارْ الما” وغيرها من أماكن ومؤسسات “الشعائر” الشهرية، وكأنهم يسعون بين “الصّفا” و”المَروة” في الأماكن المقدسة، استكمالا لمناسك حج أو عُمرة، وذلك من دون أجر يُذْكَر أو يُحتَسَب لهؤلاء؟ لكنَّ الخالق وحده يَعْلَم بالأمر، وقد يُحتَسب لنا جميعا في هذا السعي الشهري بين “مشاعر” البلد أجرا وثوابا لا تُخطئه رحمتُه وعدالتُه الواسعة؟
وفي انتظار كل هذه الإصلاحات والإنجازات التي وعد بها رئيس الحكومة وحزبه، سيظل المغاربة صابرين ومحتسبين إلى الله وحْدَه، تماما كما فعل “أيوب” النبيُّ، لكن المُستضعفين منهم، والذين لم يجدوا إلى هذا الصبر سبيلا، حين أُغْلِقَتْ أو غُلّقَتْ في وجوههم الأبواب وفرص العمل والعيش الكريم، باعوا كل شيء، كي يَسُدّدُوا القليل من تكاليف عيشهم، مثلما فعلتْ زوجة “أيوب” كذلك، حين باعت ضفائرها الواحدة تلو الأخرى من أجل لقمة العيش. باع المستضعفون من المغاربة أثاثهم، وباعوا التراب، وباعوا الدّجَاجات، وباعوا أنعامَهم الحلُوب، وباعوا هواتفهم الرخيصة الآسيوية الصُّنع، وباعُوا … وباعُوا…وباعُوا… وضاعوا في زُحمة العيش وجور القرارات. فيما يواصل السيد رئيس الحكومة بيْع “مازوطه” ومُنتجاته الغذائية والصناعية بالثمن الذي يحدده هو فقط، من دون حسيب أو رقيب أو حتى رأفة بهذا الشعب المغلوب على أمره، هو الذي لا حول له ولا قوة غير الصبر. وهكذا تكون “الفَهْلَوة” بتعبير الأشقّاء المصريين!
أمام هذا الوضع القاسي الذي لا يستحقه المغاربة، ما زالت الكثير من مظاهر الفساد قائمة، بل تفاقمت أكثر في ظل أغلب الحكومات والأحزاب التي وعدتْ بالإصلاح وبَشّرتْ به في “برامجها” وحملاتها الدعائية في كل انتخابات، ومازالت “دارُ لُقمان على حالها”، والأزمة في أوْجِها، والحال كما كان … سوى أن جَرِت دماء النعمة في عروق الكثير من الوجوه، والواصلين الجُدد إلى مقاعد الوزارة والبرلمان والمسئوليات، وتضخمتْ أجور الكبار من القوم وإخوتِهم في الرضاعة من الوزراء والمُدراء، كما تضاعفتْ تعويضاتهم ومعاشاتهم وأرصدتهم في البنوك، بينما تعددتْ وتكاثرتْ، بل تناسلتْ بشكل مُهول مظاهر الفقر والحاجَة وأشكال الضرائب والرسوم المقتطعة من الأجور الهزيلة مقابل الرغيف المُر والقليل من الخدمات الرديئة.
وحتى لا نكون مُجانِبين للصواب، ونقوم بنوع من الادعاء أو التجني على حكومات المغرب السابقة واللاحقة، مع استثناءات قليلة جِدّا بالطبع، فالوقائع والأرقام التالية الخاصة بأجور وتعويضات وامتيازات كبار موظفي المغرب تفضح المستور، وتؤكد الحقائق الفاضحة والصارخة، إذ يمكن لنا، من خلال عملية حسابية بسيطة، قراءة الأرقام الصادمة والمستفِزة التي أوردتها المجلة الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية “TelQuel ” في ملف خاص، كانت قد نشرَتْه في يونيو من سنة2011، (أما الآن فقد “زادوا الشَّحْمَة في ظَهْر المعلُوف”، كما يقال. بحيث نجد، وقتَها، بأن مجموع الأجور الشهرية ل 25 مدير مؤسسة عمومية مغربية يصل إلى 207 مليون درهم شهريا، أي ما يقارب 2.1 مليار سنتيم كل شهر، وهو ما يعادل أيضا 25 مليار سنتيم سنويا من ميزانية الدولة، هذا دون احتساب الامتيازات، والمنح السنوية، و”الأواني الفضية”، والتعويضات على المهام، والتكاليف الخيالية لتجهيز المكاتب واقتناء السيارات الفارهة الخاصة بهؤلاء الموظفين السامين والوزراء والمدراء. إنها أرقام توضح، وبشكل ملموس، حجْم نفقات الدولة المغربية على وزرائها ومُدَرائها المحظوظين، إذ “لا تستغربْ في بلاد المغرب” كما يقال كذلك.
هذه وقائع ومعطيات يعرفها الجميع، في الداخل والخارج، ولم تَفْعل حكومة بنكيران ولا حكومة أخنوش التي أتت بعدها على تصحيح هذا الوضع وإنصاف هذا الشعب، لكن هذا ما يستطيع المغاربة الآن قوله في تدويناتهم البسيطة واليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، رافعين شكواهم إلى خالقهم في السر وفي العلن: “غدا في محكمة الله نلتقي … وهناك العدل يُقام” … ” ينام السارق في بلادي دون قلق، ويكسب السياسي المال من دون عرق، وينام المسئول الفاشل دون أرق، لأن القانون في بلادي حبرٌ على ورق …”، ويا صبر أيوب …! ويا أيها النبي الكريم ! هل لنا بصبرٍ مثل صبرك؟ ويا خالقنا، نَجأرُ لكَ وحدكَ بالشكوى وضيق الحال، إذ يُجزي العارفون بصمتهم، والأشلاء لبائعها، الطينُ لعَجْزه، مَنْ مَاتَ مَاتَ. ومَنْ فَرَّ نجا، نحنُ الذين لا وليَّ لنا سوى ساريةِ الريح، ماذا فعلنا كي يستحق العاجز موتَه؟ نَحنُ آخر المستضعفين! … ربّنا قَدْ مَسَّنا الضّرُّ مِنْ حُكُومَةِ “أخنوش”ومَنْ مَعَهُ …وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”! وكم كان صادقا ومحِقّا الشاعر المغربي الكبير محمد السرغيني حين عَنْونَ واحدا من أهم دواوينه الشعرية بـ “مَنْ فَعَل هذا بجَماجِمِكُم”؟ وكأنه كان يستبق الحاضر نحو المستقبل، ويخاطبنا نحن المغاربة في الزمن الأغْبر لهذه الحكومة؟