حصيلة منتصف ولاية الحكومة الحالية.. في انتظار الأفضل
www.alhadattv.ma
عبد السلام الصديقي
جرت العادة أن تقدم الحكومة حصيلتها لمنتصف ولايتها إلى البرلمان، ليس من أجل نيل الثقة، بل بكل بساطة لاطلاع ممثلي الأمة، ومن خلالهم الرأي العام، على ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه. وذلك مع تجديد التزامها بالعمل للفترة المتبقية لولايتها. إن مثل هذه الممارسات ضرورية لتنشيط الحياة الديمقراطية، إعادة جذب عدد كبير من المواطنين الذين ابتعدوا عن المشاركة في الحياة السياسية الاهتمام من جديد بالشأن العام. فالبلاد بحاجة إلى نفس ديمقراطي جديد.
لقد لزمت الحكومة، إلى حدود الوقت الحاضر، الصمت، وكأن الكلام ممنوع عليها، ورئيسها يعترف بذلك رسميا. حيث ما فتئ يكرر باستمرار، في مداخلاته النادرة، أنه وحكومته موجودان للعمل وليس للكلام. إلا أن المنطق السليم يؤكد انه حين نعمل بجد، بل بشكل مكثف، يكون لدينا ما نتحدث عنه، وتكون لدينا مشاريع علينا شرح مضامينها، ومخططات وجب عرضها. هذا الارتباط “العضوي” بين الشعب وحكومته، بصراحة، لا نراه.
كما أن “القداس” الذي يقدمه الناطق باسم الحكومة كل يوم خميس في نهاية الاجتماع الأسبوعي يتميز بالجمود و الرتابة، لدرجة أنه كان يمكن الاكتفاء بتوزيع البلاغ على وسائل الإعلام لتتولى نشره. كل ما يطلعنا عليه هذا البلاغ هو أسماء المحظوظين الذين تمت ترقيتهم إلى مناصب المسؤولية. وهي عملية نادراً ما تمر دون ضجيج، لأن عددا لا يستهان به من المواطنين لا يثقون، سواء عن حق أو عن خطأ، بصدقية المسطرة المتبعة لتعيين المسؤولين في إطار الفصل 92 من الدستور.
إن دور أية حكومة هو تصحيح الاختلالات وابتكار الحلول لتخفيف آلام أولئك الذين يعانون من الفقر والاحتياج. كما يجب عليها أن تسعى إلى تقليص الفجوة بين “أولئك الذين يملكون كل شيء وأولئك الذين لا يملكون أي شيء”، على حد تعبير “الشهادة المؤثرة” التي عبرت عنها شابة طالبة خلال مشاورات اللجنة الوطنية حول نموذج التنموي الجديد، أو بالأحرى “النموذج التنموي المولود ميتا”.
في ضوء هذه المستلزمات، ينبغي تقييم عمل الحكومة. وبطبيعة الحال، يجب علينا نبذ أي مقاربة عدمية تقدم بلادنا وكأن لا شيء إيجابي يحدث فيها. فلقد تم تحقيق الكثير، وما زال هناك المزيد في طور الإنجاز. وليس بوسع هذا المقال أن يقوم بجرد شامل لكل ما تم إنجازه في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أننا لن نترك الفرصة تمر دون الإشارة إلى الانتصارات التي حققتها بلادنا لصالح قضيتنا الوطنية وتعزيز وحدتنا الترابية. كما نؤكد بقوة على وجاهة برنامج الحماية الاجتماعية الذي نأمل أن يسير إلى نهايته. و لأجل ذلك ، يجب على الحكومة توفير كل الشروط لضمان نجاحه، ولا سيما من خلال التنفيذ الذكي للقوانين التي تم إقرارها في البرلمان وعدم الاستسلام لسحر “تبضيع الصحة” الخادع. وكذلك الأمر بالنسبة لمجال التعليم، حيث لم يتم حل أي شيء لحد الآن بعد المواجهة بين الحكومة وهيئة التدريس (من خلال النقابات الأكثر تمثيلية و”التنسيقيات”).
وينبغي أن نعترف كذلك أن الحكومة لم تكن في الموعد في جوانب أخرى. فهي لم تقم بكل ما ينبغي القيام به فيما يتعلق بحماية القوة الشرائية للساكنة. لكونها ظلت أسيرة المعتقدات الدوغمائية التي تؤمن بفضائل السوق، وظلت مهتمة أكثر بالدفاع عن مصالحها الطبقية.
وإلا كيف يمكن أن نفسر صمتها أمام النداءات الموجهة إليها من كل حدب وصوب لمطالبتها بتسقيف سعر المحروقات وإعادة تشغيل الشركة المغربية العمومية لتكرير النفط (لاسمير)؟.
في نهاية المطاف، كل المؤشرات تدل على أن الحكومة لن تنجح في الوفاء بالتزاماتها في أفق سنة 2026، والمعبر عنها بالأرقام ، اللهم إلا في حال حدوث معجزة خلال الشوط الثاني من ولايتها.
فقد التزمت الحكومة بتحقيق معدل نمو متوسط قدره 4% خلال فترة ولايتها. و كانت النتائج للأسف بعيدة كل البعد عن الهدف: بالكاد 1.3% في عام 2022 و2.8% في عام 2023.
علاوة على ذلك، وعدتنا الحكومة بخلق مليون فرصة عمل، أي بمتوسط سنوي قدره 200 ألف منصب شغل. لكن النتيجة كانت أكثر من مخيبة للآمال: فبدلاً من خلق فرص العمل، قامت الحكومة بخلق مشاكل من خلال تدمير مئات الآلاف من الوظائف القائمة، وحتى الوظائف غير مدفوعة الأجر وغير المستقرة.
وفي مواجهة هذا الفشل الواضح، تعهدت الحكومة بتعويض الوقت الضائع خلال الفترة المتبقية من ولايتها بجعل التوظيف أولويتها الأولى. دعونا نحيط علما بهذا، وننتظر لنرى ما إذا كانت ستفي بوعودها هذه المرة.
نفس الملاحظة المرتبطة بالفشل تنطبق على معدل نشاط المرأة، الذي يعد من أدنى المعدلات في العالم. فقد تم التخلي عن الالتزام بزيادة هذا المعدل إلى 30% في عام 2026، بدلاً من 20% في عام 2021. بل على العكس من ذلك، انخفضت هذه النسبة إلى 19% عام 2023. وهو مايؤكد أن الحكومة تتقدم، ولكن إلى الوراء!.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن كافة الالتزامات المتعلقة بمكافحة الفقر والحد من الفوارق الاجتماعية، مثل انتشال مليون أسرة من الفقر والهشاشة وخفض مؤشر “جيني” (GINI)إلى 39% بدلاً من 46.4%، تبقى مجرد تمنيات طالما أن السياسات العامة تقوم على الأخذ من “بوربايم” لإعطاء”بوكيدار”. و أخدنا هذه الأسماء الأمازيغية عن قصد للتذكير بالتزام الحكومة بإحداث صندوق خاص بقيمة مليار درهم في أفق 2025. يهدف هذا الصندوق إلى تفعيل القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تطبيق الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم وفي مختلف قطاعات الحياة العامة ذات الأولوية. ولكن في سنة 2024، تم تخصيص مبلغ لا يتجاوز 300 مليون درهم لهذا الصندوق.
إلا أن المجال الذي كانت الحكومة فيه مقصرة أكثر والتي تستحق عليه البطاقة الصفراء هو الذي يتعلق بتعزيز القيم الديمقراطية. هذا العجز الديمقراطي، بالإضافة إلى العجز التجاري وعجز الميزانية، يظهر في علاقات الحكومة بالمعارضة البرلمانية وأحزاب المعارضة، وفي ترددها حين يتعلق الامر بإنجاز بعض الإصلاحات الأساسية بما في ذلك السياسة الجنائية، ومحاربة اقتصاد الريع، والفساد، و تضارب المصالح و”الزواج غير الشرعي” بين المال والسياسة.
وأخيرًا هل سترهف الحكومة السمع للانتقادات المبررة الموجهة إليها وتسائل ضميرها من أجل تصحح الوضع والانطلاق على أسس جديدة: وذلك من خلال وضع المصالح الوطنية في أولوياتها، والاستجابة لانتظارات واحتياجات شعبنا، والارتقاء إلى مستوى السمعة التي تتمتع بها بلادنا على المستوى الدولي.