محمد بلهيسي رائد الاحتفالية وأحد أعلام أب الفنون الوطني والعربي
www.alhadttv.ma
* عبدلسلام انويكة
“عُشْ النْسَرْ”، توصيف ونعت ارتآه لمستقره بتازة، رائد الاحتفالية وأحد أعلام جدل أب الفنون الوطني والعربي . والحقيقة أن في بيت ومستقر صاحبنا حفظه الله ما يشبه العش، من حيث ما هو عليه من سلطة شرفة وموقع وزمن ومن ثمة سمو وهيبة وعظمة نسر، ولعل بقدر ما “عش النسر” هذا بعيون كل باحث مهتم بتاريخ وتراث المدينة هو بمثابة بداية زمن ونهاية آخر عبر ما هناك من أثر رمزي جامع شامخ غير بعيد، بقدر ما يحكم هذا “العش” أنفاس تازة ودروجها وصلات مشهدها ومواعيدها فضلا عن سوق حكي بشريتها على امتداد عقود من الزمن.
ذلك هو بين وشرفة ومستقر الأستاذ الفاضل ابن تازة البار الفنان والمخرج المسرحي العربي الكبير محمد بلهيسي، أحد علامات الدراما المغربية ورموز حضورها ونصوصها وفرجتها وعروضها وأرشيفها، محمد بلهسيي الذي يعد أحد كبار صناع أجواء وأحداث ولحظات محطات وأصوات وحركات وايماءات فضاءات الركح، ليس فقط على صعيد مدينة تازة لعقود من الزمن انما ايضا على مستوى المغرب والوطن العربي. بحيث بقدر ما طبعه من مكانة ودور ومهمة مخرج مسرحي مايسترو رفيع المستوى، بقدر هو عليه من ذاكرة وضفاف ابداع ونصوص جماليات ذات صلة فضلا عن رؤية وبصمة غير خافية عن كل باحث ومهتم ومتتبع لهذا المجال هنا وهناك محليا، وطنيا، مغاربيا وعربيا. ومن ثمة يعد محمد بلهيسي اسما مخرجا مسرحيا عظيما بقدر عظمة تاريخ وتراث تازة، يصعب القفز على ارثه وزخم اسهاماته ومقاربته وتجدد منجز أعماله، فضلا عن وقعه لدى الجمهور المسرحي الوطني والعربي، دون نسيان غنى نهج مساره وما كان عليه من سمات اشتغال وأسلوب وتوجه وقناعة جمالية ومن ثمة من ترسيخ وبناء إن على صعيد تازة المدينة التي عشقها وارتبط بها حتى النخاع رغم كل الاغراءات أو على المستوى الوطني والبلاد العربية.
هكذا يعد محمد بلهيسي، أحد رواد وعلامات الدراما المغربية والعربية في زمنها الذهبي على امتداد حوالي نصف قرن من الفعل والتفاعل، محمد بلهيسي هذه الايقونة التي يحق لتازة الفخر به ومعه جميع أثاث مدرسته ودربه من الأسماء المسرحية الرفيعة المستوى، من قبيل نور الدين بنكيران وعبد الحق بوعمر وغيرهم من الطاقات التي أعطت رفقته لتازة لسنوات وسنوات الكثير والكثير من مشاهد ومواعيد ولحظات فرجة ومتعة وحضور وتألق واشعاع ومكانة وهيبة ثقافية وابداعية خاصة للمدينة. ولا شك أن إرث فعل تازة المسرحي وأثر وتجربة محمد بلهيسي الدرامية تحديدا منها عمل الاخراج، تقتضي كل قراءة ودراسة وتأمل لفهم وإبراز ما هناك من تأسيس وسيرورة ومحطات وتميز وجسور علاقة بتجارب وطنية وعربية. وغير خاف أن مسرح تازة وامتداداته، شكل مع محمد بلهسيي تأليفا واخراجا روح المدينة وهويتها الثقافية والابداعية منذ مطلع ستينات القرن الماضي، بل طقسا تعبيريا فنيا ملأ كل شيء من مكان وزمان وانسان. متى كان هذا المسرح ساطعا شامخا عبر هذا الرجل المنارة الذي ارتبط اسمه بتازة وارتبطت تازة باسمه ولا تزال. ارتبط اسمه بها،
ولعل محمد بلهسيي بزخم كتابة وتأليف واسع، منه فقط نذكر “مقام النور”، “المنسي”، “باب الدنيا”، “سوق المزاد”، “جزيرة الأحلام”، “محاين لبلاد”، “ليلى والراوي والذئب”، “شياطين الحكاية”..الخ ، مساحة نصوص مسرحية بقدر ما طبعها من شاعرية وجوهر ثقافة مغربية وبلاغة لغة، بقدر ما كانت عليه من رمزية ورسالة ووعي وتلمس معاني حول هذا وذاك من القضايا. دون نسيان ما اشتغل عليه من نصوص لمؤلفين آخرين، من قبيل مولاي أحمد العراقي وعبد الكريم برشيد ومحمد الكغاط ومحمد تيمد وعبد السلام لوديي وعبد السلام الحبيب وسعيد الناجي عبد الحق الزروالي وغيرهم كثير. ودون نسيان ما لمحمد بلهيسي من فضل أثر على جيل تقريبا بأكمله من مسرح تازة، لِما وضعه رهن اشارته من خبرة عبر ما اسهم به من تكوين كان وراء بروز مواهب ووجوه عدة مسرحية، كانت ولا تزال بقدر كبير من القيمة المضافة في المشهد المسرحي والسينمائي المغربي. كيف لا وقد طبع محمد بلهيسي من تجربة ممثل متميز ضمن من سبقه وجايله من مخرجين، من قبل الحاج النصيري ومولاي عبد الرحمن العثماني خلال ستينات القرن الماضي، ثم فيما بعد محمد تيمد والطيب الصديقي وعبد الصمد دينية، دون حديث عن مشاركاته في أعمال تلفزيونية عدة عالية المستوى، من قبيل مسلسل “ملوك الطوائف”، “ربيع غرناطة” للمخرج السوري حاتم علي. ومن أعمال إخراجه البهي وملاحمه الوطنية، نذكر “ملحمة العروبة”، “ليلة سمر في ضوء القمر”، “حكاية القصبة” ثم “ملحمة الفرح” وغيرها. وقد كان فيها جميعها بوقع رفيع مستمدا قوته من تجربته المسرحية الواسعة.
هكذا تبقى تازة مدينة لمحمد بلهسي، الممثل والمخرج والكاتب والزجال والمبدع والمثقف، لِما كان عليه من مدرسة افرزت جيلاً من الدراميين التازيين، هم بمكانة خاصة المشهد الثقافي والمسرحي والسينمائي الوطني، بل تازة مدينة له أيضا بما كان عليه من دينامية غير خافية وآلة وطاقة محركة للفعل الثقافي، ومن ثمة من مساحة اشعاع عندما كان مندوبا إقليميا لوزارة الثقافة بتازة وكذا مندوبا جهويا. وهكذا هو محمد بلهيسي جبل شامخ واسم شهم وقامة فنية ابداعية ونخوة، كريم ابن اكرمين ومفرد بصيغة جمع، بلهيسي الذي يستحق من كل تازة كل اجلال واكبار. عرفناه جميعا اسما مثقفا محنكا وايقونة مسرحية تمثيلا واخراجا وتأليفا ببليوغرافيا عامرة معبرة وحصيلة اسهامات بقدرات خارقة فيها كثير من النبوغ والعطاء والتميز مع ما كان عليه داخل المغرب وخارجه من شهادات وجوائر وتتويجات رفيعة، تثمينا لِما أسهم به على مستوى دينامية المسرح المغربي والعربي على امتداد عقود من الزمن. هكذا هو ابن تازة البار الفنان والمخرج المسرحي العربي، رئيس فرقة اللواء المسرحي بتازة لفترة خلال ستينات القرن الماضي، وكاتب عامجامعة مسرح الهواة بالمغرب. بدأت مسيرته الفنية في مجال الإخراج مع الأستاذ عبد الكريم بالرشيد بإخراجه مسرحية “عرس الأطلس” التي مثلت المغرب في مهرجان قرطاج الدولي بتونس. ومن بصمات إخراجه المسرحي فضلا عن “عرس الأطلس” هناك “سالف لونجا”، “على باب الوزير”، “ليالي المتنبي”، “السرجان و الميزان” الخ. مع أهمية الإشارة الى اخراجه ملحمة “واحة الفرح ” الوطنية التي تم تقديمها بالعين الزرقا نواحي مولاي علي الشريف ( بين الراشدية و الريصاني) بمشاركة عدة مؤلفين مغاربة من بينهم أحمد الطيب العلج، عبد الكريم برشيد، محمد تيمود، الحاج أحمد الوديي و آخرون. ولمحمد بلهيسي فضل توطين المهرجان الدولي لمسرح الطفل بتازة والذي شكل في دوراته الأولى بالمدينة نافذة حقيقية لابراز مؤهلات وتعبيرات المدينة الثقافية والابداعية وخاصة المسرحية، بل يصعب القفز عما كان له من فضل في بناء وتشييد مسرح تازة رفيع المستوى بتازة والذي يحق أن يحمل اسمه عرفانا له ولمنجزاته واسهاماته وتكريما له ولاسمه الفني الكبير.
هكذا يحضر اسم بلهيسي، مبدعا تازيا حقيقيا جزءا من ذاكرة مشهد لسنوات وسنوات، عندما تحولت المدينة كما هو غير خاف عن مهتم ومتتبع وفاعل، لزخم اشعاع فضلا عن قبلة لألوان ثقافة ومثقفين وابداع ومبدعين من كل حدب وصوب. وهكذا هو محمد بلهيسي جبل شامخ واسم وقامة فنية ابداعية ونخوة، كريم ابن أكرمين ومفرد بصيغة جمع. بلهيسي دوان تازة البهي، الذي يستحق في هذا الشهر الكريم كل ذكر وعرفان واجلال واكبار .. حفظه الله.
