ads980-90 after header


الإشهار 1


انويكة يستذكر رائد “السينما المغربية” المخرج محمد مزيان

الإشهار 2

www.alhadttv.ma

* عبدالسلام انويكة

بعالم صورة ارتبط اسمه، لم يكن بقدرة لأي عيش دونها بعيدا، عبر أربعين سنة من السينما اشتغل مع سواد المخرجين المغاربة الأعظم تقريبا. بخيال عميق كان دوما ومخيلة تقول بأهمية تعبير الانسان عن نفسه بالصورة ومن خلاله كل مجتمع. وعبر ذكاء ثاقب تميز به فضلا عن سخرية تزيد من حدتها تأملات صمت، كان يمرر حكيه عن كل ماض وكل آت من زمن. قال ذات يوم أنه،”من حسن حظ البلاد أنها لا تتوفر على تقاليد سسيولوجية لدراسة العاهات”، فيه شيء من نوح بطل فيلمه الوحيد، مع ايمان بأن الانسان لا يحيى بالخبز وحده بل لابد من صورة، تكاد تكون السينما عقيده له كفن تطهير، متعففا متخلصا من كل ما هو مادي صوب عيش مطمئن.
ذلك هو محمد مزيان رحمه الله ابن تازة في امتدادها المجالي، الذي ارتبط عنوانه بالسينما تحديدا جميع ما هو مونطاج وتوضيب وسيناريو. دخل المغرب أواسط سبعينات القرن الماضي بعد سنوات من الدرس بالديار الفرنسية الباريسية لفن التصوير والمونتاج.، وهو من قال ضمن طرائف مألوفة عنه لدى رفقته، أن ذاكرته لا تحفظ سوى أربع تواريخ، يوم ولادته، سنة استقلال المغرب يوم شد رحاله صوب مهجر ويوم عودته منه. ومساحة واسعة ما كان بحدس وسر يديه وعينيه، فضلا عن مساحة واسعة ممن اشتغل معهم من مخرجين سينمائيين مغاربة وعرب وأفارقة. هكذا هو “مزيان” الذي عاش صورة سينما المغرب منذ زمن “الركًاب” حتى ظهور”علي زولا” على الشاشة، وهكذا هو ابن تازة الذي رحل الى دار البقاء قبل حوالي عقدين من الزمن، وجه أثثت لسنوات وسنوات مشهد المغرب السينمائي، حيث قدم ما قدم من عمل مونطاج وتوضيب وسيناريو. وهكذا هو”مزيان” الذي كلما زار تازة وهو ما كان يحدث نادرا، سؤالا منه عما كان له من صلة خاصة به من رفاقه، كان يزور معهد المدينة الموسيقي ليلتقي بمديره عبد اللطيف المزوري آنذاك سنوات التسعينات، مفضلا وقع دردشة حرة حضرت بعضها ذات يوم وسط بهوه، متأملا رحمه الله فيما هناك من فضاء بناية بنغم صورة وهندسة زمن كولونيالي.
عمل الفقيد رحمه الله لفترة بدار الاذاعة والتلفزة المغربية سنوات السبعينات الأخيرة، عمل الفقيد رحمه الله لفترة مؤثثا عدة اعمال تلفزية فضلا عن مساحة استطلاعات، التحاقه بالمركز السينمائي المغربي حيث كان بتوقيع على جملة أفلام مغربية بقدر ما تفخر بها خزانة البلاد الفنية بقدر ما وفرت فرجة راقية ولا تزال. ولعل “مزيان” بمكانة وذاكرة رمزية خاصة في وسط الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، لِما اسهم به من عمل تنشيط وتكوين وتفاعل فكري فني وجدل وتحسيس ورأي حول هذا وذاك من شأن السينما الوطنية ومواعيدها وتطلعاتها. علما أن تازة من المدن المغربية التي كانت بنادي سينمائي نشيط. قدم فيه ذات يوم ضمن جامعة سينمائية صيفية مطلع تسعينات القرن الماضي، عرضا متميزا معبرا عما هو عليه من اطلاع وتتبع وتماسات حول السينما المغربية من قبيل واقعها وواقع فضاءاتها. من بصمات ابن تازة هذا فضلا عن المونتاج لخراجه لجملة اعمال قصيرة أواسط تسعينيات القرن الماضي، من قبيل أول شريط له وقد اختار له عنوانا “نوح”.
وكانت جمعية النادي السينمائي بسيدي قاسم، قد أصدرت في مبادرة نبيلة منها أول كتاب لها حول الراحل محمد مزيان، وقد أعده الأستاذ أحمد سيجلماسي وأشرف على نشره. وثيقة برمزية عرفان لروح الفقيد استهدفت جوانب من مسار سينمائي ظل طيلة تجربته غير مبال بالأضواء. بادرة استحضرت روح “مزيان” تعبيرا من مجتمع السينما المدني ممثلا في جمعية النادي السينمائي بسيدي قاسم، عما كان عليه من اسهامات وما سداه من خدمات لفعل السينما واندية المغرب السينمائية منذ انطلاقتها الجديدة فترة تسعينات القرن الماضي. كتاب هدية لروح “مزيان” في عالمه القدسي المكين، عربون وفاء لمبدع لم يبخل عن عشاق السينما بمعرفة ونصائح وإرشاد وتوجيه وأفلام. حيث كان دوما رهن اشارة أندية المغرب السينمائية من خلال توفير كل تأطير ورشات مونطاج وتقنيات سينما. كتاب ارتأت له الجهات المشرفة “محمد مزيان : سينمائي وحيد ومتمرد ” عنوانا، صدر ضمن طبعة أولى عن مطبعة “كوثر برانتب” ربيع سنة ألفين وخمسة عشر بالرباط، وقد جاء في حجم متوسط موزع بين جزء منه بالعربية وآخر الفرنسية مع حملة صور متميزة حول أرشيف الراحل مع غلاف من تصميم الفنان جمال المودن. وقد توزعت مواد هذه الهدية الرمزية لروح “مزيان” كالتالي: في القسم العربي إهداء (بقلم أحمد سيجلماسي)، كلمة جمعية النادي السينمائي سيدي قاسم (بقلم عبد الخالق بلعربي)، تقديم : هذا الإنسان (بقلم الدكتور عز الدين الخطابي)، بيوفيلموغرافيا محمد مزيان (بقلم أحمد سيجلماسي)، قراءات في فيلم وتجربة : البطاقة التقنية لفيلم ” نوح “، ” نوح ” أو بلاغة الصمت والصورة (بقلم محمد البوعيادي)، تأملات في فيلم “نوح” (بقلم الدكتور عز الدين الخطابي)، قدسية الابداع للإحتماء من رعب الوجود (بقلم الدكتور حميد اتباتو)، بورتريه : محمد مزيان مسيحي الصورة (بقلم عبد الحميد جماهري)، كلمات وشهادات : الجامعة الصيفية للسينما بتازة وتكريم محمد مزيان (بقلم أ. س) ، وداعا محمد مزيان (بقلم المختار أيت عمر)، وحيدا متمردا عاش… وحيدا متمردا مات (بقلم حسن نرايس)، ليخلد “نوح ” ضد بني قردة (بقلم الدكتور حميد اتباتو)، نوح الفيلسوف : يتأمل ويتألم (بقلم حفيظ العيساوي)، صديقي مزيان(بقلم محمد العلوي الباهي)، السينمائي محمد مزيان ذاكرة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية (بقلم خالد الخضري)، شكر خاص (بقلم أ. س.) وفي القسم الفرنسي نجد من مواد الكتاب : وداعا صديقي (بقلم رشيد بنعلال)، محمد مزيان (بقلم المصطفى بوينيان)، رفيق نضال (بقلم نور الدين كونجار)، من أعمدة السينما المغربية (بقلم عبد الكريم الدرقاوي)، الوحيد المتمرد (بقلم سعد الشرايبي)، أخي محمد (بقلم الزبير مزيان)، بيوفيلموغرافيا مختصرة (بقلم الزبير مزيان)، حوارات / لقاءات : مايسترو تقنيي السينما المغربية (أجرى الحوار عبد الرزاق الحنوشي)، بقلب مفتوح مع محمد مزيان (حاوره الناقدان نور الدين كشطي ومبارك حسني)، قراءات : نظرة ما، نوح الأحمق ونوح الحكيم (بقلم محمد بلفقيه).
في إطار فعاليات مهرجان تازة الوطني لسينما الهواء الطلق في دورته الثانية من 11 الى 13 شتنبر ألفين وخمسة عشر، كانت المدينة موعدا لحفل تقديم وتوقيع كتاب“محمد مزيان: سينمائي وحيد ومتمرد”، وقد تشرفت بتقديمه بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات، قبل حديث الناقد أحمد سيجلماسي عن أهم محطات حياته في جانبها السينمائي. وهو الذي نعت بتقدير عدد من المبدعين والمهتمين المتتبعين ب” ضمير السينما المغربية “، لِما أسهم به في تأثيث لبنات الفيلم المغربي الأساسية، على مستوى توضيب عدد من الأفلام المغربية، ومساعدة عدد من المخرجين لإنجاز تجارب أفلامهم السينمائية الأولى. ويذكر أيضا أن جائزة المونطاج بالمهرجان السينمائي الوطني بطنجة سنة ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين، كانت من نصيب الراحل محمد مزيان رحمه الله عن تركيبه للفيلم القصير”لعبة القدر” مطلع تسعينات القرن الماضي وهو من اخراج عمر الشرايبي. جائزة المونطاج بمهرجان جنوب افريقيا كانت من نصيبه أيضا أواخر تسعينات القرن الماضي، عن تركيبه لفيلم ” فاراو أم الرمال” للمخرج المالي عبدولاي أسكوفارو.
بعض من روح ابن تازة في امتدادها المجالي محمد مزيان رحمه الله، وقد ودع الى دار البقاء ذات خميس من شهر يناير 2005، ودع بركين والصفصافات وتازة ونوح وجميع ما هناك من مونطاج وتوضيب وسيناريو، وما كان له من شيء وكل شيء فيما عشقه من سينما وصورة حتى النخاع.


ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5