جديد الأخبار

ads980-90 after header


الإشهار 1


اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل: “قراءة في المكاسب والخسائر”

الإشهار 2

www.alhadattv.ma

ياسين المصلوحي

تباينت ردود الأفعال عقب توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، بين من يعتبرها نصرًا ظاهرًا للمقاومة على الاحتلال الإسرائيلي، وبين من يرى توقيع هذه الاتفاقية إذلالًا لحركة حماس بعدما تعرض سكان قطاع غزة للقتل والتهجير وتخريب البنية التحتية.
كل جانب يجد ما يدعم به أطروحته؛ فمن يعتبرونها نصرًا يستشهدون بكون الجلوس على طاولة الحوار أصلًا بين جيش منظم مدجج بأحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا من جهة، وحركة مقاومة بسيطة بعتاد عسكري تقليدي وبجناح عسكري مضيق عليه منذ سنوات من جهة أخرى، في حد ذاته انتصارًا بغض النظر عن النتائج. كما أنهم يعتبرون حق الحركة في مقاومة الاحتلال والقيام بعمليات نوعية مثل “طوفان الأقصى” حقًا كونيًا وإنسانيًا لا يمكن التخلي عنه بفعل الزمن أو الرضوخ للأمر الواقع. وإلا، ما كانت دول أوروبا استقلت عن المستعمر النازي، وما كانت أمريكا استقلت عن الاستعمار الإمبريالي الأوروبي.
كما أنهم راهنوا على عودة القضية الفلسطينية للواجهة الدولية كقضية إنسانية تستوجب الاهتمام العالمي، وهو ما حدث رغم الخسائر الفادحة البشرية والمالية. إضافة إلى ذلك، حرص من يتبنى هذا الموقف على إظهار وحشية النظام الإسرائيلي الذي لم يحترم في حربه على غزة قواعد الاشتباك، فلم يميز في غاراته وهجماته بين عسكري ومدني، بين شاب وطفل أو سيدة أو شيخ، وبين منازل مدنية أو منشآت طبية أو مؤسسات تعليمية. بل وصل به الحد إلى قصف مقر وكالة دولية تابعة للأمم المتحدة، كما أن الصحفيين بمختلف جنسياتهم لم يسلموا من بطشه.
يضيف هذا الفريق أن مبادئ الإنسانية بحد ذاتها كانت تحيزية وانتقائية؛ حيث لم يتم التعامل مع القضية الفلسطينية بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، خصوصًا على المستوى الإنساني والتضامني. وهذا أبرز أن المجتمع الدولي لا ينظر للقضايا الإنسانية بنفس المعيار.
في الجهة المقابلة، نجد فريقًا يعتبر أن دخول حماس الحرب من الأصل كان عملية انتحار سياسي وعسكري لعدة اعتبارات، أهمها الفرق الشاسع في موازين القوى. ويرى هذا الفريق أنه إذا لم تكن الحركة تتوفر على مقومات المقاومة والاستمرار فيها، فلا يجب الدخول في الحرب أصلًا والتضحية بالمدنيين الأبرياء. إضافة إلى ذلك، يشيرون إلى الخسائر الاستراتيجية الكبيرة التي حصدتها حماس، باعتمادها على دعم إيران التي تختلف تمامًا معها في الأيديولوجيا، وتستعملها كورقة ضغط إقليمية فقط، ولم تدعمها دعمًا حقيقيًا أبدًا.
كما يعتبرون أن الاعتماد على حزب الله، الذي بدوره لا يستطيع حماية حتى مصالحه، أدى في النهاية إلى اغتيال حسن نصر الله واستشهاد إسماعيل هنية ويحيى السنوار، الذين يشكل غيابهم ضربة موجعة للحركة. ويشير هذا الفريق أيضًا إلى أن وفاة أكثر من 50,000 فلسطيني وإصابة 100,000 آخرين، ونزوح الملايين، يشكل ثمنًا باهظًا لعودة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية.
كما أن هذا الاتفاق لم يعُد بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، بل قلّص مساحة قطاع غزة، وزاد من تأمين مستوطنات غلاف غزة، وجعل مستقبل حكم القطاع بين يدي قوى دولية أجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، قطر، الأردن، مصر…).
أكيد أن كل معركة فيها ربح وخسارة من الجانبين؛ فحماس تكبدت خسائر فادحة في الأرواح، خصوصًا من كوادرها الذين يصعب تعويضهم، وفقدت حلفاء استراتيجيين كحزب الله وإيران وسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. لكنها كسبت معركة معنوية بالجلوس إلى طاولة الحوار وجهًا لوجه مع عدو يفوقها قوة وعدة وعددًا وعتادًا، وإجباره -ولو نسبيًا- على قبول بعض شروطها.
فإن كانت إسرائيل منتصرة فعلًا، لقضت نهائيًا على حماس، ولما حاورتها من الأساس. كما أن استرجاع عدد مهم من المعتقلين المحكومين بالمؤبد والأحكام الطويلة يُعتبر مكسبًا مهمًا. إضافة إلى ذلك، أظهرت للعالم الجانب الهمجي والوحشي للاحتلال في تعامله مع الفلسطينيين.
أما مكاسب إسرائيل، فتتمثل أولًا في الاتفاق على إطلاق سراح الجنود والمواطنين الأسرى لدى حماس، وإخماد الانتقادات الموجهة لنتنياهو من عائلات الأسرى والمجتمع الإسرائيلي عمومًا. كما أنها جنّبت ميزانية الدولة نفقات مالية ضخمة في حرب طال أمدها، بعدما وعدهم نتنياهو بنصر ساحق وسريع، وأنه لن تكون هناك حماس مجددًا بعد اجتياح غزة.
لكن بالمقابل، تعرضت الحكومة الإسرائيلية لخسائر سياسية كبيرة، حيث تواجه انتقادات كثيرة، ولم تعد متماسكة بين مكوناتها. وداخل الحكومة نفسها، يهدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالخروج من الحكومة إذا تم توقيع الهدنة، باعتبار ذلك انهزامًا وتنازلًا من إسرائيل.
بين هذا وذاك، يبقى اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين ربحًا مشتركًا يمكنهما من مراجعة أوراقهما وترتيب الصفوف. لكنه يظل اتفاقًا هشًا، قابلًا للكسر في أي وقت والعودة للاقتتال، خصوصًا أنه مكون من عدة مراحل ويتطلب تنفيذه حكمة ورزانة من الجانبين وضبطًا عاليًا للنفس.
من حسنات الاتفاق أيضًا إعادة طرح فكرة توحيد الأراضي الفلسطينية تحت قيادة سياسية واحدة يختارها الشعب الفلسطيني، بعيدًا عن الانقسام الحالي بين قطاع غزة الذي تديره حركة حماس، والضفة الغربية مركز السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح. فالمنتظم الدولي يحتاج إلى مخاطب رسمي واحد يناقش معه تطلعات الفلسطينيين وانتظاراتهم.
ختامًا، مهما طال الزمن، لا يمكن للاحتلال أن يصبح مشروعًا، أو أن يتم مصادرة حق الشعوب في الدفاع عن أوطانها ومقاومة المحتل، ولو بأبسط الإمكانيات. وعدم ضمان تحقيق النتائج كاملة لا يمكن أن يكون ذريعة للخنوع والاستسلام والرضوخ للأمر الواقع والتلويح بالمنديل الأبيض. فما لا يُدرك كله، لا يُترك جله.


ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5