” ابتلاعات ” حكاية رجل مقنع ظل يقف طويلا بباب رئيس المجلس البلدي وعند باب مكتب مدير الحي الجامعي حتى دهسته سيارة سوداء لاذ سائقها بالفرار
www.alhadattv.ma
* عزيز باكوش
عن مقاربات للنشر والصناعات الثقافية في 90 صفحة من الحجم المتوسط وغلاف من ابداع الفنان عبد الواحد غنمي، صدر للقاص المغربي عبد الغني داني ” ابتلاعات” وهي أضمومة من 19 قصة مجلوبة من أدب الحياة والناس. لنقل تجسيد حقيقي لسيكولوجيا تفاعل الذات مع محيطها من زاوية مختلفة تماما.
على هامش الإصدار الذي يشكل باكورة إنتاجه الأدبي يقول عبد الغني داني ” أن هذا العمل يأتي بعد تردد طويل. لقد كتبت أولى إرهاصاتي القصصية بداية التسعينات. وكنيتها منذ الوهلة الأولى ابتلاعات. وفي كل مرة كنت أبتلع تلك النصوص ويطالها النسيان. ويضيف “وبمبادرة وتشجيع كبيرين من أستاذي الدكتور جمال بوطيب وبعد مخاض عسير ترى النور كمجموعة قصصية أتمنى أن تروق محبي أولا وكل محب للكلمة والإبداع الأدبي ”
وجاءت القصص في ” ابتلاعات مترادفة على التوالي: أحلام صغيرة – حيث تظهر الصغيرة أحلام من خلف الهضبة الخضراء المطلة على البيت تحمل بين يديها الباقة الحمراء الجميلة، تجري باتجاه جدتها، تجري وتلهث، عندما وصلت قفزت أمام جدتها تريد أن تحضنها، تلقفتها الجدة بضربة من مغزلها الخشبي القديم على أم رأسها وهي تلعن اليوم الذي أتت فيه إلى هذا العالم”
أما في قصة ” مملكة فضيلة “فإن أحداث الحياة الاجتماعية تبدو في عين الكاتب أشد تناقضا، ذلك أن فضيلة، تلك المرأة التي يعرفها الصغير قبل الكبير في الحي الشعبي المترامي الأطراف، ولجت بيوتا كثيرة لتضمد جروحا أو تعطي حقنة. وقد تصف علاجا محددا تعود إلى البيت بدريهمات تضعها في قلب مخدة أو داخل علبة قهوة. سنوات العمل في مستشفى الحي جعلها مثل آو مبرمجة. ولدها البكر على مرت سنوات اغترابه سريعة، لم يحقق منها شيئا مما كان يرسمه في أحلامه البلهاء. كان ينتقل من عمل موسمي إلى آخر وفي آخر كل يوم يقصد مقهى صغير حيث أبناء البلد، وفانيسا الشقراء المبتسمة دوما. ينفت سيجارته وينصت الى القهقهات التي تكسر صمت المكان. وسرعان ما تتطور الأحداث إلى أن يرن جرس باب فضيلة ذات صباح. كان علي يقف منتصبا وخلفه تقف فانيسا والصغيرة ليلى الشقراء الجميلة. ضمته فضيلة إلى صدرها بكت بغزارة. قفزت بناتها يحضن الصغيرة ينظرن بتمل إلى وجه فانيسا يبتلعن جسدها المكتنز”ص16
في قصة “حلم” يتعرف القارئ عن الأسباب التي جعلت عباس يقرر ألا ينام بعد تلك الليلة وأن يبقي عينيه جاحظتين ما تبقى من سنوات عمره. مادام العالم مملا ورتيبا أكثر من أي وقت مضى. وتمضي بنا متعة القراءة والاكتشاف مع قصة – الصخور الحداثية – ابتلاعات ثلاث – شائعة. لنتوقف مليا أمام قصة “الدوامة والقناع ” فيحكي لنا قصة مأساوية لعزوز وحكاية قناعه الذي سقط على الرصيف حين دهسته عجلات سيارة سوداء لاذت بالفرار. لكن لماذا يتجمهر هؤلاء الحمقى حوله؟ أهو تواطئ وتكالب من نوع آخر؟ إنهم سيخنقونه ولو كانت فيه بقية روح. لم يكن عزوز طالبا بارزا في الساحة ولم يدل يوما يدلي برأيه في إحدى الحلقيات، لكنه حاول مرارا أن يحصل على عمل شريف. كان يحلم بعد تخرجه من الجامعة. أن يكون أستاذا، لكن الظروف والسنوات الشحيحة عاكسته تبخرت أحلامه …كان ينتظر طويلا رئيس المجلس البلدي ويقف طويلا عند باب مكتب مدير الحي الجامعي. مرت السنوات تأكد عزوز أن الأيام القادمة أشد قسوة من تلك التي راحت “ومع مرور الأيام ألف شخصه وأصبح معروفا في المدينة. وضع لافتة على صدره علقها بخيط كتب عليها رئيس المجلس البلدي …. وراح يجول مزهوا في أركان المدينة يبيع السجائر الرخيصة للمارة. قاطعه ميلود هل تعتقد أنه مات؟ رد سلام بغضب ” لم تأت سيارة الإسعاف بعد” ص37-
ويتواصل السرد القصصي بنفس الإيقاع مع قصة “ابتلاعات – RENAISSANCE – زمن يخذلني … زمن أخذله- أحلام صغيرة 2 – البدوي – “أمواج – الصديق ذات يوم قائظ – سيدة التاريخ – فلاش كوروني -هايشكي-. في قصة “لوحة –” يجلس غنينو قريبا من مجمر الفحم الذي أعدته والدته. الطقس في الخارج قارس متجمد. يبتسم مزهوا وهو ينظر إلى شاشة التلفاز الصغيرة بالأبيض والأسود تبث أخبار المساء. صوت المذيع الذي أصبح جزء من الأسرة يسري في أرجاء المكان. حين صاح الوالد المتعب “الليلة ستنتهي هذه البطارية.. قلت لكم مرارا ألا تشغلوا هذا التلفاز.. ألا تفهمون كثيرا؟ ما فائدة هذه الرسوم المتحركة كالشياطين ؟؟الليلة سنسهر مع صوت الريح وقنابل الرعد ”
وفي قصة “هايشكي” نسترجع مع الكاتب حاضر المدينة وماضيها. حيث ما يثير الكاتب حول هذه المدينة التي استحالت فضاء للإسفلت.. كان جنان السبيل بالنسبة له جنة من جنان الأرض. كانت المدينة كبيرة، أما اليوم فلم تعد مجرد حقل إسمنتي صلد يعج بالسيارات وبأنواع من البشر المتقاطرين على المدينة من كل مكان. ويتأسف لحال حديقة البلدية حيث كان مسبحا فيروزيا شاسعا. لكنهم خربوا المسبح، خربوا جنان السبيل، خربوا المدينة بأكملها. لم تعد هناك سينما “أطلس” الجميلة هي أيضا أضحت مجرد مقهى بليدة يتردد فيها صدى صوت الرواد. ينفثون دخا ن السجائر في فضائها الرحب ص86
لكن ما وقع ذات ظهيرة لسعيدة مدرسة اللغة الفرنسية مع الولد المنفلت كزناية” فلن أحرق شريط الأحداث. ولن أسهم في اغتيال لذة اكتشاف المعنى. سأترك للقارئ لذة فضول المعرفة وحق الدهشة أيضا. لكن هذا لا يمنعني من الهمس أن ذة سعيدة كانت حديثة العهد بالتدريس. كانت تلج الفصل مترنحة متهادية تشبه عارضات الأزياء، تدك أرض القسم متمايلة بالكعب العالي. أما “كزناية” فكان شابا فارع الطول له قهقهات تسمع من بعيد وصوت كبوق نحاسي عظيم ”
عبد الغني داني فاعل جمعوي قاص وأديب من مواليد يناير 1973 بتازة. حاصل على الإجازة في اللغة العربية من جامعة محمد الأول بوجدة 1997. حاصل على الماستر مسلك التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة بجامعة محمد الخامس كلية علو م التربية الرباط اليوم طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ظهر المهراز بفاس مدير تربوي بالسلك الابتدائي تعليم خصوصي. مهتم بالبحث في مجال القصة القصيرة. نشر العديد من أعماله القصصية في الصحافة الوطنية .وهو فاعل جمعوي وعضو نشيط بالنسيج المدني.
